خلف الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي اغتاله اسلاميون أثناء استعراض عسكري بالقاهرة قبل 30 عاما تركة سياسية ظلت دون تغير الى حد كبير خلال حكم سلفه حسني مبارك.
فمعاهدة السلام التي وقعها مع اسرائيل ما زالت صامدة وهي المعاهدة الاولى بين اسرائيل ودولة عربية. وبعد الانفتاح الذي وفره السادات للقطاع الخاص تحولت مصر الى اقتصاد السوق الذي أدار ظهره للسياسات الاشتراكية التي كانت مطبقة في الستينات واوئل السبعينات.
لكن بعد ثمانية شهور من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك في 11 فبراير شباط تلاشت بعض مظاهر تركة السادات. وربما تضطر جوانب أخرى منها معاهدة السلام نفسها الى التكيف مع الانتقال السياسي الذي بدأه المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير مصر مؤقتا.
ويقول طارق الزمر وهو أحد الاسلاميين الذين شاركوا في مؤامرة اغتيال السادات ان الرئيس الراحل وضع الاساس لكل السياسات القمعية التي طبقها مبارك الذي كان جالسا الى جواره بصفته نائبا لرئيس الجمهورية في العرض العسكري الذي أقيم في السادس من اكتوبر تشرين الاول عام 1981 لكن الثورة التي اندلعت في العام الحالي وضعت مصر على طريق جديد للديمقراطية لا رجعة فيه.
وقال الزمر لرويترز عشية ذكرى الاغتيال ان نظام حسني مبارك لم يحد قيد أنملة عن السياسات التي انتهجها السادات.
وأضاف أنه اذا كانت الانتخابات المزورة من السمات المميزة لعهد مبارك فان السادات أسس لهذا الاتجاه في انتخابات عام 1979 حين سعى لضمان الا يستمر اي من معارضي معاهدة السلام في البرلمان.
لكن بعد الاطاحة بمبارك انهارت بين عشية وضحاها القيود الصارمة على النشاط السياسي التي حافظت على بقاء الحركة الاسلامية القوية على هامش الحياة العامة لعشرات السنين.
وتم تغيير اسم جهاز أمن الدولة الذي تخصص في مضايقة المعارضة واقتضى الامر ايضا أن يتخلى عن بعض صلاحياته رغم أن منتقدين يقولون انه ما زال يمارس بعض أعماله القديمة.
وورث مبارك عن السادات التعاون الدبلوماسي والاستراتيجي الوثيق مع الولايات المتحدة وجعل ذلك أحد ركائز السياسة الخارجية المصرية لكن هذا يواجه تحديا الان وربما يكون من الخسائر المبكرة في ظل حكومة منتخبة ديمقراطيا.
وقال رئيس الوزراء عصام شرف في سبتمبر ايلول ان معاهدة السلام مع اسرائيل وهي واحدة من أسس العلاقة بين القاهرة وواشنطن ليست شيئا مقدسا ويمكن تعديلها لصالح السلام او لصالح المنطقة.
وأضاف "اتفاقية السلام ليست شيئا مقدسا وبالتالي هي مطروحة دائما للنقاش بما يفيد المنطقة وقضية السلام العادل... ويمكن أن نغير الاتفاقية اذا لزم الامر."
وربما كان شرف يفكر في تعديلات طفيفة تتم بالاتفاق بين الجانبين وتتعلق بالقيود على نشر قوات مصرية في سيناء لكن كثيرا من الثوار الذين خرجوا الى الشوارع في يناير كانون الثاني يتصورون تغييرا أعمق في العلاقات مع اسرائيل.
وقالت حشود حاصرت موظفي السفارة الاسرائيلية داخل سفارتهم بوسط القاهرة في التاسع من سبتمبر أيلول وأنزلت العلم الاسرائيلي من على المبنى للمرة الثانية هذا العام انها تريد اغلاق السفارة وطرد السفير.
وترتبط معاهدة السلام ارتباطا وثيقا بقضية المساعدات الامريكية العسكرية والاقتصادية لمصر والتي تبلغ قيمتها نحو 1.5 مليار دولار سنويا بعد أن كانت ملياري دولار تقريبا في سنوات السادات الاخيرة لكنها ما زالت واحدة من اكبر المعونات التي تتلقاها اي دولة من الولايات المتحدة.
وحين كان السادات يحكم البلاد كان الاقتصاد المصري على شفا الانهيار وفي بعض الاحيان كانت المعونات الامريكية من القمح الذي تحصل عليه بشروط تفضيلية الشيء الوحيد الذي حال دون تكرار أعمال الشغب التي ارتبطت برفع أسعار الخبز في يناير 1977 والتي كانت واحدة من أخطر الازمات التي واجهها السادات على الاطلاق.
وتقلص الجزء الاقتصادي من المساعدات الى أقل من خمسة دولارات لكل مصري في العام بعد ان كان نحو 20 دولارا بأسعار السبعينات في عهد السادات لكن العنصر العسكري يعطي للولايات المتحدة نفوذا على المجلس العسكري الذي تسلم السلطة من مبارك في فبراير شباط.
وحاول وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا الذي زار مصر هذا الاسبوع الربط بين السادات والثورة المصرية قائلا ان السادات مات "من أجل قضية السلام... والان أصبحت لدى شعب مصر الفرصة للبناء على تلك التركة المهمة التي خلفها أنور السادات."
بالنسبة لطارق الزمر فان الدرس المستفاد هو العكس تماما. فهو يرى ويشاركه كثيرون في ذلك أن الثورة المصرية كانت ايذانا بالانفصال عن تركة كل من السادات ومبارك وتأكيدا لارادة الشعب المصري الذي ما زال الى حد كبير مناهضا للسياسات الاسرائيلية والامريكية.
ولا يتفق كل الاسلاميين مع هذا الرأي حيث يقول ناجح ابراهيم العضو البارز في الجماعة الاسلامية التي حملت السلاح ضد مبارك في التسعينات ولم تنجح حملتها ان السادات أفاد الحركة الاسلامية كثيرا وانه حين يسترجع الاحداث يجد أن اغتياله عام 1981 كان خطأ.
وقال ابراهيم لمجلة روز اليوسف "لو عاد بنا التاريخ الي الوراء مرة أخري لما قمنا باغتيال السادات فما نحن فيه الان جاء بارتكابنا مفاسد من وراء اغتياله ويكفي أن أبوابا كثيرة للدعوة أغلقت وعاد قانون الطواريء وصبت كل الايجابيات لصالح اليساريين بل وأضرت الحركة الاسلامية برمتها. ففي الوقت الذي أوقف فيه السادات التعذيب وألغي قانون الطواريء نحن كشباب لم ندرك قيمة هذا التصرف من السادات الا بعد موته."
وعلى أية حال فان أحد التغييرات الاهم منذ فبراير تبدل حظوظ الحركة الاسلامية التي شجعها السادات في البداية لتكون ثقلا موازنا لاعدائه من اليساريين وأنصار القومية العربية قبل أن يبدأ في قمعها في شهوره الاخيرة.
والان يمارس الاسلاميون من جميع الاطياف من جماعة الاخوان المسلمين والتيار السلفي والاسلاميين الليبراليين نشاطهم في العلن في مصر ويرجح أن يفوزوا بكثير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تبدأ في أواخر نوفمبر تشرين الثاني.
وحتى اذا جاء هذا متأخرا 30 عاما وفي صورة شعبية لها أبعاد ديمقراطية محتملة لم يتصورها قتلة السادات حين أمطروه بعشرات الرصاصات فان التغيير يمكن ترجمته كنوع من التبرير.
وخلال محاكمته تباهى خالد الاسلامبولي القاتل الرئيسي خلال محاكمته بأنه قتل الفرعون. لكن الاطاحة "بالفرعون" الذي خلفه استلزمت خروج الملايين الى شوارع مصر على مدى 18 يوما في يناير وفبراير.
ويقول الزمر ان ثورة 25 يناير وضعت قواعد جديدة لادارة الحركات واصلاح المجتمعات لا تشمل على الاطلاق استخدام العنف.