في السجون وخلف الحديد وثقل القيود، لم يتأخر حزن الأسرى على الشهيد ياسر عرفات، خطاباته دواوين شعر للأسرى، ليست تاريخًا فحسب، بل استشراف كانت لما سيكون.. وقد كان. أما وحشتهم الضارية في غرفهم الضيقة فلا يؤنسها إلا صورة لأبو عمار من هنا أو شعار له خُط على جدار هناك.
بأدبياتهم ومؤلفاتهم وجلساتهم التنظيمية والثقافية والفكرية، يدرسون نظرية الثورة ومبادئ النضال ومسيرة الثورة، التي يُعتبر الشهيد عرفات من مفجّريها وأحد قادتها ورموزها، الذي يتفاخر به الاسرى كجميع ابناء شعبهم ويحتفظون بصوره؛ لتزيين غرفهم الاعتقالية، كما يحفظون احاديثه وخطبه وشعاراته التي يؤمنون بها ويعتبرونها مصدر إلهام وعنوانا لروح النضال الراسخة في حياتهم وتجربتهم الاعتقالية.
يستعد الاسرى اليوم لإحياء ذكرى استشهاد رئيسهم الذي يرتبط بعضهم بعلاقة شخصية وطيدة معه، كالاسير خالد الشاويش من طوباس، المحكوم (11 مؤبداً) الذي يفخر دوماً بأن "ابو عمار" كان يضمّد جراحه، ويسهر على علاجه ويتابع رعايته في مقر المقاطعة، الذي لجأ إليه بعدما طاردته قوات الاحتلال، وأُدرج اسمه ضمن قائمة المطلوبين فأصيب برصاص الاحتلال الذي أدى لإصابته بإعاقة وشلل ابدي.
يقول الأسير الشاويش: "إنه معلمنا وقائدنا وقدوتنا والاب الحنون الذي يملك روح المحبة والوفاء لابنائه المناضلين، والشهيد ياسر عرفات المقاتل العنيد الذي قاد الثورة والمعارك ضد اسرائيل كان يسهر لراحتي ويعالجني بيديه".
أدرج اسم الأسير الشاويش ضمن قائمة المطلوبين لمخابرات الاحتلال لقيادته عمليات المقاومة العسكرية ضد الاحتلال ويعيش اليوم رهن الالم والمعاناة مشلولا في سجن الرملة، ويقول: "لا توجد كلمات تصف الاب الروحي للثورة والمقاومة والفدائيين، فقد طاردني الاحتلال واصبحت مستهدفا وبعد نجاتي من الاغتيال اصدر اوامره باحتضاني في المقاطعة لحمايتي من كمائنهم، حيث طالب الاحتلال بتسليمي لكن الرئيس ابو عمار رفض ذلك".
وأضاف: "تقاسم الرئيس معنا الخبز الذي بدأ ينفد، وخلق فينا روح الصمود والمقاومة والاستعداد للشهادة فكان يتمتع بمعنويات تفوقت علينا، وكان يرفض الاستسلام، ويصر على المعركة التي علمنا أصولها وطرقها فكان قبلنا يردد عبارته الشهيرة شهيداً شهيداً".
إحياء الذكرى
ويستعد أسرى حركة "فتح" في كافة السجون والمعتقلات الاسرائيلية للاحتفال بذكرى استشهاد الرئيس "ابو عمار" بسلسلة من الفعاليات رغم منغصات الاحتلال وسياساته لمنعهم من إحياء المناسبة الوطنية المهمة في حياتهم، كما يقول الأسير أحمد عوض كميل الذي قضى (18 عاماً) في السجون: منذ صغري كانت أمي تتحدث لنا عن ابو عمار رمز الثورة والنضال وبطولاته وتضحياته وتتذكر كيف حضر الى بلدتنا قباطية وتخفّى لتشكيل خلايا الفدائيين الاولى عام 1967.
الأسير كميل الذي اعتقل وطورد خلال الانتفاضة الاولى، وأسس الجناح العسكري لحركة فتح "مجموعات الفهد الاسود"، قال: كان يصدر لنا تعليماته وتوجيهاته لديمومة الانتفاضة، ورغم انه كان يعيش في المنفى، إلا أنه كان يشاركنا في كل معاركنا ومهماتنا بحنكته وخبرته.
وأضاف: "عندما اشتد القمع واتسعت المجازر جاءتنا رسالته بدعم انتفاضة الحجر بالمقاومة، معلناً للعالم ان شعبنا اقوى من سياسات الاعتقال، والحصار وكسر العظام".
لن نتخلى عن ثوابته
ومن سجنه، قال ابرز قادة حركة "فتح " الاسير ياسر ابو بكر المؤسس لكتائب شهداء الاقصى: "تأتي ذكرى استشهاد رئيسنا وقائدنا لتؤكد ان شعبنا لم ولن يتخلى عن اهدافه وثوابته، فنحن اصحاب رسالة السلام الحقيقية، وعلى العالم أن يعي جيداً أن نضالنا وسيلة وليس غاية، هكذا تعلمنا في مدرسة الثورة، تتملذنا أشبالاً مقاتلين على يد القائد الحي ابو عمار".
وأضاف: "نحن اصحاب رسالة حق وعدالة مشروعة، نطمح ببناء سلام عادل وشامل يضمن حياة افضل لاطفالنا، ومستقبلا اجمل لشعبنا، في ظل دولة مستقلة وعاصمتها القدس وشعبنا بقيادة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ثم الرئيس محمود عباس الذي قدم الكثير من اجل السلام، ولكن المشكلة في الاحتلال الذي يواصل تدمير كل فرص السلام بإجراءاته وسياساته، فكيف يمكن ان يتحقق السلام في ظل الاحتلال".
أما أبو بكر الذي نجا من عدة محاولات اعتقال وشارك في معارك كتائب شهداء الاقصى في نابلس حتى اعتقل عام 2002 وحكم بالسجن المؤبد 3 مرات، فتابع يقول: "في كل محطات النضال والثورة وعبر الانتفاضتين، ونحن نحيي ذكرى الشهيد ابو عمار، نؤكد اننا لم نفقد الامل بالسلام ولن نتخلى عن مشروع السلام، وحلم الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وكل قادة وشهداء شعبنا، ولكن على العالم ان يدرك ان مفتاح السلام انهاء الاحتلال واقامة الدولة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين واطلاق سراح جميع الاسرى والمعتقلين لانه دون ذلك لن يولد السلام".
انتفاضة عرفات
وبفخر واعتزاز يتحدث الاسير عبد الكريم عويس عن الرئيس الشهيد " إنه حي لن يموت فروحه معنا تشاركنا المعركة التي دربنا عليها لنكون ابطالاً، نحمل رايته ونناضل من اجل فلسطين، كما علمنا في مدرسة "فتح".
عويس المحكوم بالسجن المؤبد 5 مرات وهدم الاحتلال منزله وطارده خلال انتفاضة الاقصى يقول: "مثلما ارتبط صمود الثورة وبطولاتها في ملحمة بيروت بالرئيس "ابو عمار"، فهذه الانتفاضة ستحمل يوما اسمه لانه القائد الحقيقي لها".
وأضاف: "فشلت كل مجازر ومخططات الاحتلال في حرف بوصلة النضال الفلسطيني عن طريقه، وفي ظل القصف والاغتيال والحصار واصلنا الانتفاضة وهم يهددوننا بالتصفية والابادة، لأننا نؤمن برسالتنا وقضيتنا والقيم الخالدة التي زرعها في اعماقنا الرئيس الخالد "ابو عمار".
صرخة الذكرى
ويشارك الأسير منتصر ابو غليون من قادة كتائب الاقصى المحكوم بالسجن المؤبد 4 مرات، بصرخته في ذكرى الشهيد "ابو عمار"، ويقول: "اريد ان استصرخ في كل فلسطيني فلسطينيته ليشعر بمدى معاناتنا وعذاباتنا ونحن نشاهد ونعيش نكسة الفرقة والانقسام بعد كل هذه التضحيات والصمود الاسطوري ".
وأضاف: "إذا كنتم تحبون الرئيس ابو عمار والاسرى وشعبنا فحققوا امنيتنا بانهاء الانقسام، ومواصلة الحوار لنعيد لقضيتنا مكانتها، وللشرعية اصولها، لحماية مشروعنا الوطني، وصرختي في ذكرى الشهيد "ابو عمار" ان نعمل جميعا على تحقيق اتفاق المصالحة، لان معركتنا ما زالت طويلة، ولن نتقدم فيها خطوة واحدة دون وحدتنا وتلاحمنا فارحمونا وزفوا لنا بشرى تطبيق الاتفاق لان ما يجمعنا اكبر واسمى مما يفرقنا ".